Tuesday, March 13, 2007

التطويبات ــــــــــــ الملكوت للجميع


لغز التطويبات

أسوأ شيء يمكن أن نفعله بالتطويبات هو أن نظن أنها وصايا أو أنها شروط لدخول الملكوت. أي أن المسيح يقول: "كونوا مساكين روحياً أو حزانى أو ودعاء أو صانعي سلام لكي تدخلوا ملكوت السموات، أو تنالوا التعزية أو تدعون أبناء الله.” لم يؤد التفكير في التطويبات بهذه الطريقة إلا إلى شعور عميق بالذنب ساهم إلى حد كبير في رفض المسيحية من جانب الكثير. هذا الذنب يشكل تياراً لا يزال متغلغلاً في المسيحية حتى الآن ويساهم في إضعاف إسهامها الفعّال في خير البشرية وفي التأثير على الشخصية الإنسانية الفردية.

إذاً ما هي رسالة التطويبات؟

إذا لم تكن رسالة التطويبات هي رسالة "كن هكذا؟" فما هي إذاً؟ قبل أن نسأل أنفسنا ما هي رسالة التطويبات؟ دعونا نسأل يسوع نفسه فالتطويبات هي تطويباته! ماذا كانت الرسالة التي يكرز بها يسوع؟ يقول الإنجيل أنه كان يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت. ما هو موضوع كرازته؟ ما الذي كان يقوله؟

يعطينا الإنجيل نسخاً مختلفة في الطول والقصر لهذه البشارة. لعل أقصر نسخة هي الموجودة في متى 4: 17 " من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات."

ما معنى " اقترب ملكوت السموات"

المعنى الذي يتبادر إلى أذهاننا دائماً هو أن "اليوم الأخير" قد اقترب. أو أن الدينونة قد اقتربت، لذا فعلينا أن نتوب و إلا فسوف نتعرض لدينونة الله وعقابه. بينما عندما نركز أكثر في بشارة يسوع وتعليمه والطريقة التي كان يتعامل بها مع الناس نجد أن كلمة "اقتراب" الملكوت لم يكن المقصود بها أن حلول ملكوت الله قد اقترب، ولكنه كان يريد أن يقول أنه قد جاء بالفعل. فبمجيئه، قد اقترب ملكوت الله من الناس. من الناس العاديين. بل من أصغر الناس وأصبح ملكوت الله متاحاً للجميع.

يقول الأب متى المسكين في إحدى عظاته عن ميلاد المسيح. "بميلاد المسيح، أصبح ملكوت الله طفلاًُ مقمطاً ومضجعاً في مزود يستطيع أي إنسان أن يحمله ويقبله!"

“ هنا نفسه يقول في متى 12: 28 " ولكن إن كنت أنا بإصبع الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله!" هنا يشير بكلمات أوضح إلى أن كلمة "اقتراب" ملكوت الله تعني أن ملكوت قد اقبل علينا واقترب منا.

من خلال ما يسمى "حدث المسيح" The Jesus Event بكل ما فيه من تجسد للكلمة الأزلي والإظهار العظيم لقوة الله وسلطانه على الشر ومن خلال المصالحة مع الله بالصليب والقيامة، من خلال كل هذا، قد اقبل ملكوت الله وأصبح متاحاً للبشر كل البشر.

هذه إذاًَ هي رسالة المسيح....

وفي لوقا 4 يخبرنا الإنجيل أن يسوع عندما دخل إلى المجمع بعد أن تعمد وفي أول عظة له، اختار أن يقرأ من سفر إشعياء الفقرة التالية:

1رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. 2لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. 3لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضاً عَنِ الرَّمَادِ وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ النَّوْحِ وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ. 4وَيَبْنُونَ الْخِرَبَ الْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ الْمُوحِشَاتِ الأُوَلَ. وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ مُوحِشَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 5وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعُونَ غَنَمَكُمْ وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ. 6أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ الرَّبِّ تُسَمُّونَ خُدَّامَ إِلَهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ. 7عِوَضاً عَنْ خِزْيِكُمْ ضِعْفَانِ وَعِوَضاً عَنِ الْخَجَلِ يَبْتَهِجُونَ بِنَصِيبِهِمْ. لِذَلِكَ يَرِثُونَ فِي أَرْضِهِمْ ضِعْفَيْنِ. بَهْجَةٌ أَبَدِيَّةٌ تَكُونُ لَهُمْ.

وفي أول عظة له في الهواء الطلق خارج المجامع "الموعظة على الجبل" لم يقتبس من الكتاب لأنه لا يعلم العارفين بالكتب، بل راح بالفعل يبشر المساكين قائلاً:

وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. 2فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: 3«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4طُوبَى لِلْحَزَانَى لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5 طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 6طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. 7طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. 8طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ. 9طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ. 10طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. 12ﭐِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُمْ هَكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ.

لذلك فمن المنطقي لكي نفهم التطويبات، أن نضعها بالتوازي مع إشعياء 61 لأنها نفس الرسالة. هي إذاً ليست رسالة لمن استوفوا شروطاً لدخول الملكوت، وإنما هي رسالة للمرفوضين والمطرودين والمهمشين والمعوقين روحياً ونفسياً واجتماعياً والذين ليس لهم مكان في هذا العالم. هي رسالة لهم تقول أنه إن كان العالم لم يعطهم مكاناً ففي ملكوت الله مكان لهم.

هذه الفقرة في إشعياء 61 هي مفتاحنا لفهم التطويبات وهذا ما سوف نحاول أن نفعله في المقالات التالية فإلى اللقاء.

2 comments:

Unknown said...

د. اوسم
سنظل نشكر الله على موهبتك الفذة و انتاجك المتميز
و تفضل لغاية دلوقتي تقريباً الوحيد اللي بيحقق المصالحة بين الفلي بيحصل بره و جوه الكنيسة بالشكل المميز ده
استمر بنعمة الله

منير صبحي
الكنيسة المعمدانية

Rev. Amir said...

الفاضل الدكتور أوسم وصفي

أعطيتني مفاهيم جديدة لم تكن تخطر على بالي. فخمت الكثير

أصلي إلى الرب أن يعطيك المزيد لنتعلم


أمير شحاته
عزبة الهجانة